ظلال نشرة ثقافية تسعى لمشاركة موضوعات الأدب والفنون بأسلوب متجدد تكتب في صنعاء، وتصلك كل أربعاء لتغمرك بظلال من التأملات في الأدب.
Share
الجميلة وأنكيدو
Published about 1 month ago • 1 min read
ما لم تروِه الملحمة 🪄🧝♀️🤫
Frank Bernard Dicksee1902
عبير اليوسفي
١٦ يوليو ٢٠٢٥
«ورأته ذلك الرجل المتوحش يأتي من التلال البعيدة... قالت المرأة لأنكيدو: عندما أنظر إليك أراك تبدو كإله، لماذا تتوق لأن تهيم على وجهك ثانية مع الوحوش في التلال؟!.. مزقت ثوبها نصفين.. بنصف كسته. وبالنصف الآخر اكتست.. وقادته من يده كأم.. ثم قالت: أي أنكيدو. كل الخبز إنه مادة الحياة.
وهكذا صنعت المرأة من أنكيدو إنساناً».
بين حين وآخر أعود إلى قراءة ملحمة جلجامش. لا أكرر قراءة الكتب غالبًا لكن هناك أعمالًا يبدو أن طريق العودة إليها لا يُغلق أبدًا. هذه القراءة وجدتني أتوقف طويلًا عند شخصية شمخت، وأتأمل حضورها وأبحث في دلالاته. فمنذ أن بدأ الإنسان يدون أسطورته الأولى، كانت المرأة حاضرة في قلب التحولات الكبرى. لماذا إذًا اختيرت هي لتكون الوسيط الأول بين الإنسان والطبيعة؟
في الملحمة من المؤكد أن لاختيار شمخت قرارًا رمزيًا كثيف الدلالة في سردية الوعي البشري، يفتح أفق لفهم علاقة الإنسان بالمدينة، بالسلطة وبالجسد بوصفه أداة معرفية.
لنعود إلى الأسطورة، حين أرسلت شمخت إلى أنكيدو لم تكن مجرد امرأة، كانت العاهرةالمقدسة التي استُدعيت من داخل النظام الديني والاجتماعي لتمثيل نقطة التحول بين الفطرة والثقافة. بينما أنكيدو الكائن البري الخارج عن النظام، لا يُهزم بالسلاح ولا بالوعظ، هُزم باللذة، بالجسد، بالرغبة. وبعد سبعة أيام من الاتحاد فقد قدرته على العودة إلى الحيوانات، لأن الجسد قد فتح له أبواب الزمن عن طريق الوعي والاغتراب.
المرأة هنا كانت معبرًا تأسيسيًا. فهي لم تسقط أنكيدو، هي قادته إلى إنسانيته بكل مافيها من وعي وموت. ليتحول الجسد في هذه اللحظة من أداة للبقاء إلى فضاءللمعرفة. لحظة التماس الجسدي لم تنتج عنها متعة فقط بقدر ما أنتجت وعي يعلمه حدود جسده ونقصه. ليتحول من وحدة مع الطبيعة إلى كائن اجتماعي يدخل المدينة ويخضع لقوانينها، كون المدينة هي التي تُنظم الرغبة والتي تبني عدالتها عبر القوانين و تطهير الجسد من فوضاه الأولى.
ولكن حين نعيد تأويل هذه اللحظة عبر منظور النسوية المعاصرة، تتضح بنية أكثر خفاءً. شمخت لم تُمنَح وعيها الخاص، هي تم توظيفها كجسر. وكما تقترح جوديث بتلر، فإن الجندر لا يُولد من الطبيعة لأنه يُعاد إنتاجه عبر التمثيل والتكرار. ومن هنا لم تكن ذاتًا حرة، كانت أداءأنثويمفروض ضمن بنية خطابية تخدم السلطة. جسدها كان وسيط يُؤدي دوره ثم يُنسى.
السلطة الجندرية تشتغل بصمت، بمعنى تُحوّل الأنثى إلى قناةعبور دون أن تعترف لها بمكان على الضفة الأخرى. هذه المرأة تُقيم التحول ولا تُشارك فيه؛ تُطلق الوعي ولا تُمنح سلطة المعرفة. ومثلها في ذلك مثل حواء التي لم ترتكب فعلاً شريرًا، إنما سعت إلى المعرفة. ومع ذلك نُسبت إليها الخطيئة ووُسمت بأنها أصل السقوط.
كلتاهما شمخت وحواء تمثلان اللحظة الأولى في تشكُّل الوعي، لكن السردية تضع الرجل مركزًا، وتدفع المرأة إلى الهامش. وهكذا يُعاد إنتاج الترميز الجندري للمعرفة. الرجل يبحث، يسأل، يحكم. المرأة تُغوي، تفتح، وتُعاقب. هي تؤدي دور مُوقظ الوعي لكنها لا تملك حرية التجريب أو السؤال. وما تسميه بتلر بـقسر التكرار الرمزي يتحقق هنا بأكمل وجوهه، المرأة تؤدي أنوثتها بوصفها خدمة لنظام سابق عليها، وليس بوصفها إمكانًا ذاتيًا للتحول.
هذا البناء تجده يتكرر في الميثولوجيا الغربية. إذا اسقطناه على فاوست ومارجريت، نجد فاوست الباحث عن المعرفة المطلقة يُدخل مارجريت في دوامة الخطيئة، لكنها هي التي تدفع الثمن وحدها. فاوست ينجو أو يُكافأ على جرأته، ومارجريت تُدان على طهارتها المُلوّثة.
الأمر ذاته يتكرر في أسطورة هاديس وبيرسيفوني، حيث يتم اختطاف الأنثى من عالم الطبيعة (الربيع) إلى العالم السفلي (السلطة) لتُصبح رمزًا للدورة الزمنية. الجسد الأنثوي يُستخدم لترميز الفصول، التحولات وحتى الخلود، لكنه نادرًا ما يُمنح صوتًا مستقلًا.
لهذا يمكن قراءة شمخت بوصفها بنية مؤسسة لصورة الأنثى في العقل البشري. كونها تقدم الآخر إلى العالم، لكنها لا تدخل معه. وكل سردية تحول من جلجامش إلى فاوست تبدأ بجسد امرأة وتُختم بمجد رجل.
بهذا تعود ملحمةجلجامش وثيقة تأسيسية لكيفية بناء السلطة على الجسد، وخصوصًا الجسد المؤنث. شمخت هي الأصل المنسي للملحمة وللمعرفة أيضًا. ومن خلالها ندرك أن الجسد لم يكن يومًا مقابلًا للوعي، كان بوابته الكبرى؛ وأن المرأة كانت مركز الأسطورة الخفيّ.
الذكريات المعلبة🤳📻📼 عبير اليوسفي ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ كل مرة أفتح هاتفي أجد السنوات الماضية مصطفة أمامي في ذكريات هذا اليوم، وفي كل مرة أعود لتقليب الذكريات أشعر أن شيئًا ما تغير في معنى الحنين. كأن الحنين نفسه الذي كان يتشكل من فجوة بيننا وبين الزمن صار خدمة جاهزة تُعرض عليك بتقنية محسوبة، وتذكرك بما مضى كما لو كان إعلانًا سريعًا. الذاكرة الرقمية وفرت لنا القدرة على استرجاع الماضي فورًا، لكنها في المقابل نزعت عن الحنين خصوصيته. ليصبح الاسترجاع بلا جهد، وبالتالي بلا ذلك العمق الذي يجعل من...
وحنينه دومًا لأول منزلٍ🏠 🥺 Joan Brull. Dream 1905 عبير اليوسفي ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ منذ فترة صار يرافقني الاستماع لبودكاست عشوائي من يوتيوب كلما خرجتُ من المنزل حتى أصل إلى وجهتي. طريقة فعالة لمقاومة الحرارة، والزحام، وكل ما يجعل من الشارع مساحة طاردة للهدوء. مؤخرًا استمعتُ إلى حلقة تناولت تصور غاستون باشلار للبيت، كما ورد في كتابه "جماليات المكان". و بدا لي أن البيت ليس مجرد أربعة جدران وسقف، هو معمار داخلي يتشكل في وعينا، ويصير مرجعًا دائمًا في كل علاقة جديدة نخوضها مع أي مكان. يُعد البيت في الأدب...
القلق من التنين 🐉😱 عبير اليوسفي ٦ أغسطس ٢٠٢٥ قد يبدو العنوان ظريفًا، لكن الحكاية هي أنني مشتركة في مجموعة قراءة على تطبيق التلغرام. ليس حبًا للنقاشات الطويلة ولا شغفًا بالقراءة الجماعية، هو السبب ذاته الذي نشترك جميعنا به، مصدر جيد لتحميل الكتب، ادخل بخفة لتحميل كتاب وأغادر. لكن قبل أيام وقعت عيناي على نقاش قديم في المجموعة، أو بالأحرى محاكمة علنية أجلست فيها إحدى المشتركات أدب الفنتازيا على كرسي الإتهام. اتهمت القارئة الرواية بأنها تروّج للإلحاد، وتتعارض مع العقيدة الإسلامية، واعتبرتها خطرًا...