ظلال نشرة ثقافية تسعى لمشاركة موضوعات الأدب والفنون بأسلوب متجدد تكتب في صنعاء، وتصلك كل أربعاء لتغمرك بظلال من التأملات في الأدب.
Share
من الإعجاب إلى السرقة
Published about 1 month ago • 1 min read
السطو الناعم والتأثير🏴☠️🥷🏻🚨
لوحة إعدام الليدي جين غراي. بول ديلاروش1833
عبير اليوسفي
٩ يوليو ٢٠٢٥
منذ فترة رأيت صديقًا يحتج في حسابه على فيسبوك، بعد أن سرق أحدهم نصوصه الشعرية. جاءت بعض هذه “النسخ” في هيئة تغييرات طفيفة، لكنها كانت كافية لتشويه النص ومحو أثر كاتبه. بدا المشهد أقرب إلى إعادة تدوير مشوهة من كونه استلهامًا مشروعًا.
وبالأمس طُرح نقاش آخر على خلفية الضجة التي أثارتها لوحة فنية مسروقة وبينما انشغل كثيرون بالتنديد، جاء رأي مختلف، يدافع عن الموقف بوصفه “خطأً بشريًا” نابعًا من تأثر صادق بالجمال، حد التماهي مع العمل ونسبته إلى الذات.
تُعدّ مسألة التأثر بين الكتّاب والفنانين من أكثر الإشكالات حيوية في النظرية الجمالية، لأنها تمس نواة الفعل الإبداعي ذاته، وتكشف هشاشة المفاهيم المُطلقة مثل الأصالة و الابتكار الأول. ولطالما شغل هذا السؤال كبار المنظرين من أفلاطون إلى هارولد بلوم، مرورًا بمدارس التناص والبنيوية وما بعدها، في محاولات لفهم كيف يُنتج الفن من داخل الذاكرة.
رأت النظريات التقليدية أن التأثير فعل خطي بمعنى كاتب سابق يؤثر في كاتب لاحق. لكن هارولد بلوم أعاد صياغة هذا الفهم جذريًا، واعتبر أن التأثر لا يصدر عن قوة السابق، إنما عن قلق اللاحق. في تصوره يعبر الكاتب نحو ذاته من خلال مجابهة سلفه، إذ يشكل هذا الاشتباك الرمزي سبيلًا لتجاوز الأثر القديم وتأسيس نبرة جديدة. وهذا الصراع يتجلى عبر ما سماه بلوم الانحراف التأويلي؛ حيث تُعاد كتابة القديم، ولكن تحت غطاء جديد فيه تمردٌ، وفيه خداعٌ فني مقصود.
يفقد مفهوم “الأصالة” بريقه الساذج، ويُعاد تأويله بوصفه قدرة الكاتب على تكييفالأثرالسابق. فالأصالة هي هندسة للذاكرة، وتحويل للتقليد إلى شيء جديد. ومن هنا، يصبح التمييز بين التأثر والاستنساخ أمرًا ملتبسًا، لا يمكن حسمه بسهولة، ما لم ننظر في البنية والسياق والنوايا الفنية.
لكن ماذا عن الحالات التي لا يُعاد فيها تشكيل العمل السابق، بل يُؤخذ كما هو، ويُنسب لذاتٍ أخرى؟
قبل أيام أثارت المذيعة المصرية مها الصغير جدلًا واسعًا بعد نسبتها لوحة فنية إلى نفسها، تبيّن لاحقًا أنها من أعمال فنانة دنماركية معروفة. سبب الحدث فضيحة إعلامية، وفتح سؤالًا حول حدود التأثر الفني. هل يمكن اعتبار هذه السرقة نوعًا من التأثر كما يجادل صديقي؟ الجواب جماليًّا وأخلاقيًّا، هو النفي القاطع.
في التأثر الحقيقي هناك فعل مقاومة. بمعنى أن العمل الجديد يعيد صياغة العمل السابق، يختبر حدوده، ويحرّف معناه، وربما يناهضه أو يسخر منه. أما في السرقة، فلا توجد مقاومة ولا تأويل، لأنها طمس للسياق وتعتيم على المصدر، مع ادعاء كاذب بالخلق الكامل. بلوم تحدث عن المراوغة كاستراتيجية فنية. وسرقة عمل مكتمل ونسبه إلى الذات دون أدنى إشارة إلى الأصل، تخرج من حقل التأثر وتدخل في نطاق الاستيلاءالثقافي أو السطوالرمزي. كونها ليست بحثًا عن صوت خاص، وتمثل قمعٌ لصوت الآخر.
تتحول قضية مها الصغير إلى عارض من أعراض عصر يغري بالسطو الجمالي في ظل هيمنة الصورة على المعنى، والسطح على البنية. وهو ما يعيدنا إلى مركز السؤال كيف نُميز بين فنان يُعيد كتابة العالم وآخر يختطف ما كُتب ويُعيد تغليفه؟ الفارق في الأثر. الأثر الفني الحقيقي يُشعرنا بوجود توتر، قلق، مسافة، بينما الانتحال يُطمس هذه المسافة، ويمنحنا صورة ملساء لا تصدر عن تجربة. وهذا يتضح في عدم قدرة مها الصغير الإجابة على سؤال عنوان اللوحة.
ولعلنا نجد في أدب نيتشه الذي تأثر بإيمرسون حتى وصفه بـ”الصديق” مثالًا للفعل الخلاق في التأثر؛ فقد أعاد إنتاج أفكاره ضمن منظومة فلسفية مختلفة، تتقاطع معه أحيانًا وتُخالفه جوهريًا أحيانًا أخرى. وكذلك فعل دوستويفسكي مع التراث المسيحي، وهايدغر مع نيتشه، وبورخيس مع الأدب الإغريقي حتى الحكايات العربية. وهم بهذا يأخذون من السلف ليخالفوه ويكشفوا فيه ما لم يكن ظاهرًا.
النص الإبداعي لا يولد من العدم، ولا من الفراغ، هو نتاج من صراع مع ماضٍ لغوي وجمالي. وإذا كانت بعض المدارس ترى أن كل كتابة هي كتابة على كتابة، فإن ما يقتضيه هذا الفهم هو استحضار وعي نقدي يفرق بين إعادة إنتاج تنبع من وعي جمالي أصيل، واستنساخ سطحي يُفرغ العمل من سياقه وذاكرته.
كتبت إيمان مرسال على حسابها: “كشف استراتيجيات السطو أهم من تجريمه”. لأن السطو الحقيقي ينزع الفكرة من مكانها، ويعيد تمريرها على هيئة كليشيه فارغ، يُحوّل الإبداع إلى سلع مكررة. ومن لا يملك شجاعة الاعتراف بالأثر، لن يصنع سوى صدى، مهما علت أصوات المديح.
الذكريات المعلبة🤳📻📼 عبير اليوسفي ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ كل مرة أفتح هاتفي أجد السنوات الماضية مصطفة أمامي في ذكريات هذا اليوم، وفي كل مرة أعود لتقليب الذكريات أشعر أن شيئًا ما تغير في معنى الحنين. كأن الحنين نفسه الذي كان يتشكل من فجوة بيننا وبين الزمن صار خدمة جاهزة تُعرض عليك بتقنية محسوبة، وتذكرك بما مضى كما لو كان إعلانًا سريعًا. الذاكرة الرقمية وفرت لنا القدرة على استرجاع الماضي فورًا، لكنها في المقابل نزعت عن الحنين خصوصيته. ليصبح الاسترجاع بلا جهد، وبالتالي بلا ذلك العمق الذي يجعل من...
وحنينه دومًا لأول منزلٍ🏠 🥺 Joan Brull. Dream 1905 عبير اليوسفي ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ منذ فترة صار يرافقني الاستماع لبودكاست عشوائي من يوتيوب كلما خرجتُ من المنزل حتى أصل إلى وجهتي. طريقة فعالة لمقاومة الحرارة، والزحام، وكل ما يجعل من الشارع مساحة طاردة للهدوء. مؤخرًا استمعتُ إلى حلقة تناولت تصور غاستون باشلار للبيت، كما ورد في كتابه "جماليات المكان". و بدا لي أن البيت ليس مجرد أربعة جدران وسقف، هو معمار داخلي يتشكل في وعينا، ويصير مرجعًا دائمًا في كل علاقة جديدة نخوضها مع أي مكان. يُعد البيت في الأدب...
القلق من التنين 🐉😱 عبير اليوسفي ٦ أغسطس ٢٠٢٥ قد يبدو العنوان ظريفًا، لكن الحكاية هي أنني مشتركة في مجموعة قراءة على تطبيق التلغرام. ليس حبًا للنقاشات الطويلة ولا شغفًا بالقراءة الجماعية، هو السبب ذاته الذي نشترك جميعنا به، مصدر جيد لتحميل الكتب، ادخل بخفة لتحميل كتاب وأغادر. لكن قبل أيام وقعت عيناي على نقاش قديم في المجموعة، أو بالأحرى محاكمة علنية أجلست فيها إحدى المشتركات أدب الفنتازيا على كرسي الإتهام. اتهمت القارئة الرواية بأنها تروّج للإلحاد، وتتعارض مع العقيدة الإسلامية، واعتبرتها خطرًا...