ظلال نشرة ثقافية تسعى لمشاركة موضوعات الأدب والفنون بأسلوب متجدد تكتب في صنعاء، وتصلك كل أربعاء لتغمرك بظلال من التأملات في الأدب.
Share
هل يُسائل الأدب خطابه؟
Published 21 days ago • 1 min read
جدليات فيسبوكية🌋
لوحة للفنان الفرنسي Honoré Daumier
عبير اليوسفي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد انتشار نص أثار جدلًا واسعًا على منصة فيسبوك قبل أيام. تباينت الآراء بين من قرأه كتعبير حرّ ينتمي إلى فضاء الخيال، ومن رآه خطابًا يقترب من حدود التحريض على التعدّي. لكن، في وسط هذا الجدل، ينهض سؤال قديم لا يشيخ: هل يتحمل الأدب مسؤولية ما يقوله؟
منذ أن تحررت الكتابة من سلطة الأخلاق بمعناها التقليدي، أُعيد تعريف الأدب بوصفه فعلاً متخيلًا لا يُقاس بالحقيقة أو القانون أو الدين. قيل إن لا قيد على المخيلة، ولا رقابة على ما لم يقع. وهكذا نشأت العبارة الشهيرة: «الأدب ليس أخلاقًا». وانسحبت الرقابة الكنسية والأبوية، وبات يُحتفى بالنصوص غالبًا لبلاغتها، لا لمضامينها. ولكن، هل يمكن أن نغفل عما تفعله بعض النصوص حين لا تكتفي بالتخييل، تتحول إلى تواطؤ لغوي مع علاقات غير متكافئة، كأن تُعرض على القارئ بلاغيًا رغبات تُقدم بوصفها تجليات للحرية أو الجمال.؟
في الموروث العربي، وُجدت نصوص تغني للمجون، تصف الغلمان والجواري والعبيد بوصفهم أدوات متعة. لم تكن هذه النصوص أدلة على انحراف فردي، بقدر ما كانت مرآة لعصرٍ لم يرَ في الآخر سوى موضوع للمتعة أو الهيمنة. لكن حين تُقرأ اليوم، تصبح المسؤولية على القارئ الحيّ وليس على الكاتب الميت: كيف نقرأها؟ ولماذا نعيد إنتاجها؟ وبأي عدسة نضعها في حاضر يزعم أنه أكثر وعيًا؟
لا أقصد هنا أن تُمنع النصوص، ولا أن يُحاسب الأدب على خياله. وإنما أن نقرأ بوعي، وأن نكتب بإدراك أن الكلمة قد تؤسس لوعي، أو تساهم في تطبيعه. أن نعرف أن التجميل قد يكون أخطر من القول المباشر، و البلاغة ليست سوى قناع يُخفي أثر الفكرة. لأننا نريد للأدب أن يظل قادرًا على زلزلة ما يجب أن يُزعزع، لا أن يغوي به.
الفارق الجوهري كما تُظهره مساءلات الفكر الفلسفي، يكمن في كيفية الكتابة عن الموضوعات. يكتب الأدب عن الرغبة، أو القتل، أو الانحراف، لأن مهمته أن يلامس هذه المناطق المحظورة، لكن بشرط ألا يتواطأ، وألا يتحول إلى لسان حال الانحدار. وكما يذكرنا ميشيل فوكو، فإن الخطاب عن الجنس هو أداة من أدوات السلطة، بل قد يكون أداة قمع حين يُقدَّم بوصفه تحررًا، بينما يُعيد إنتاج الهيمنة الرمزية. وهذا يصدق أيضًا على الأدب الإيروتيكي حين يتحول من تأمل في الجسد إلى تغنٍّ به بلا وعي، أو حين يصوغ رغبات منحرفة في ثوب شعري.
تحويل كل كتابة إلى مجرد تمرين حر في التعبير هو ما يسمح اليوم بمرور نصوص تحت مظلة “الحرية الأدبية”. لكن الحرية هنا تتحول إلى شعار خادع، فالكتابة فعل، والفعل لا يمكن فصله عن نتائجه. وإن سلطنا الضوء على ما يُكتب باسم التخييل، سنجد أن بعضه لا يختلف كثيرًا عن خطاب سلطوي يُراد له أن يمرّ على شكل رواية أو قصيدة أو مشهد.
في المقابل، لا يمكن للوعي النقدي أن يتحول إلى محكمة أخلاقية. لا أحد يُحاكم الأدب كما يُحاكم الجريمة، ولا أحد يطالب الكاتب بأن يكون واعظًا. فالأدب ليس قانونًا ولا عقيدة، هو منطقة حرة للقول، لكنها حرة بالمعنى الوجودي، لا الفوضوي. أي حرة لأنها مسؤولة، لأنها تختار أن تقول وهي تدرك ماذا تقول، ولمن، وبأي أثر.
الأدب الذي يتناول الرغبة عليه أن يُسائلها، أن يكشف عطبها إن وُجد. مُساءلة الأدب تعني قراءته قراءة مسؤولة، ونزعه من الضوء المغشوش الذي يُعرض فيه كتحفة، وهو في حقيقته خطاب هشّ. فليست كل كتابة أدبًا، ولا كل نص يستحق الدفاع عنه. بعض النصوص تنتمي إلى ما يُعرف بـ”الهيمنة الرمزية”، إذ تنقل أمراض الواقع إلى اللاوعي الجمعي بصيغة مقبولة، وتُعيد إنتاج العطب كأنه طبيعي.
النصوص التي تصف الاغتصاب بلغة المتعة، أو التي تروج لإهانة المرأة، أو تستهلك جسد الطفل في استعارات لغوية عالية، لا تفعل سوى تجميل الأذى، وإعادة تسويقه. وأكرر البلاغة هنا ليست سوى قناع. فإذا لم يكن الكاتب واعيًا لهذا القناع، فقراءته يجب أن تكون واعية. وإذا لم يتردد هو علينا نحن أن نتردد، أن نقف عند النص ونسأله عن غايته.
المسافة تُرسم من داخل النص. يقدرها الوعي النقدي. ولعل هذا هو الفارق الحاسم بين أن نحفظ للأدب حريته. وأن نقرأه بوصفه فعلًا ثقافيًا، ونمنحه شرف المساءلة، بدلاً من المصادرة. أن نميز بين ما يُكتب ليحرر الإنسان، وما يُكتب ليبرر سقوطه.
فبين حرية التعبير وشرعية الخطاب، يقف الأدب في منطقة شائكة لا يصونها سوى الوعي.
معزوفة لأنور براهم، مؤلف وعازف عود تونسي، يُعد من أبرز المجددين في الموسيقى العربية المعاصرة. تتميز أعماله بمزجٍ حساس بين روح المقام الشرقي وتلوينات الجاز والموسيقى الكلاسيكية الأوروبية.
ولعل ما يعجز عنه القول، يبوح به وترٌ شفيف على عوده. 🌸
في تشتيت التشاؤم وتجميل الأقدار🧿🦉 Edward Hopper عبير اليوسفي ١٨ يونيو ٢٠٢٥ كانت جدتي تتوجس كلما نبح كلب في المساء، معتبرةً صوته نذير موت يلوّح من بعيد. أمي ورثت هذا التوجس كأنه إرث لا يُرد. أما صديقتي الهندية التي لم تكن تجيد العربية لكنها تجيد قراءة الإشارات، فكانت تنهرني حين أحرّك قدمي أثناء الجلوس، وتقول إنها علامة على فقد أحد الوالدين. وما يظل شائعًا هو رفة العين: فإن كانت اليسرى قالوا “ستبكين”، وإن كانت اليمنى قيل “رزق أو سيعود غائب”. لكن ما أحببته أكثر هو حكة كفّ اليد، الحكة الصغيرة...
عزيزي صاحب الظل الطويل✉️📮 عبير اليوسفي ١١ يونيو ٢٠٢٥ مرّت ستة أشهر وأنا أكتب “الظلال”. واليوم، في صدد إعداد هذه النشرة، تساءلت: لماذا أكتب ؟ وكيف بدأت الرحلة مع الكتابة؟ تعود بي الذاكرة إلى صغري، حين بدأت عادة صغيرة دون تحريضٍ من أحد. ومن نزعةٍ داخليةٍ للكتابة، بدأت أسجل يومياتي، متأثرةً بمسلسلات كرتونية كانت تفترض أن لكل طفلة دفترًا تخاطبه كما لو كان صديقًا. وكما هو متوقع، لم يكن لديّ الكثير لأقوله، فانتقلت من سرد الأحداث إلى كتابة كلمات الأغاني المفضلة، ثم إلى اختراع قصص ركيكة، وأخيرًا إلى...
تأملات في المرارة🧘🏻♀️❤️🩹✨ أفروديت آلهة الجمال عبير اليوسفي ٤ يونيو ٢٠٢٥ هل فكرت يومًا في سر الجمال ولماذا يدهشنا ويؤلمنا في آنٍ واحد؟ طُرح على إدغار موران سؤال حول الدافع الذي قاده إلى الكتابة عن الجمال في سن الخامسة والتسعين. فأجاب بأن السينما والأدب والشعر كانت منذ طفولته الأولى الركائز التي شكّلت رؤيته للعالم وصاغت ملامح شخصيته. عاش يتيمًا في العاشرة، فوجد في الفن ملاذًا يكتشف من خلاله ذاته ويمدّ صلته بالحياة. وأوضح أنه تأثر بقراءة رواية «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي، والمعزوفة التاسعة...