ظلال نشرة ثقافية تسعى لمشاركة موضوعات الأدب والفنون بأسلوب متجدد تكتب في صنعاء، وتصلك كل أربعاء لتغمرك بظلال من التأملات في الأدب.
Share
محاولات لحمل الشمس بخفة
Published 28 days ago • 1 min read
لعنة الوعي وقشور البطاطا🥔🙆🏻♀️
عبير اليوسفي
٢٣ يوليو ٢٠٢٥
قبل أيام استيقظت والشمس تعبر من النافذة إلى داخل عيني مباشر، وهذا مالا أحبه كثيراً، ومن ثقل هذا الشعور خطر في بالي سؤال كيف نسرق من الزمن لحظة شمس دون أن نكسر ظهورنا بحملها؟
في تصفحي لليوتيوب تهاجمني المقاطع التي تدعو للحد من استهلاك البلاستيك، وتحثّ على تبنّي أنماط حياة عضوية، بوصفها السبيل الوحيد لإنقاذ الكوكب من موته البطيء. تقنيات إعادة التدوير، وصفات التنظيف الصديقة للبيئة، تحذيرات من الأكياس، وأخرى تُلقن المشاهد أن أي تساهل في هذه التفاصيل الصغيرة يُعد خيانةً أخلاقية جماعية. ولا أقول إن هذه الدعوات بلا قيمة، أو أن الكوكب لا يعاني من الاحتباس الحراري والاختناق المناخي. لكنني أجد نفسي كلما شاهدت هذه المقاطع في مواجهة مفارقة مقلقة من هو هذا الإنسان الأخلاقي المفترض الذي يُطلب منه أن ينقذ الكوكب؟ وأين يعيش؟
أعيش في صنعاء منذ سنوات قليلة، المدينة التي تنبعث منها الانبعاثات الحرارية من غازات المصانع الكبرى، من العشوائية المستفحلة في قلب الأحياء السكنية. والتي تكثر فيها استخدام الألعاب النارية بفرط زائد، وتُشغل المصانع من دون رقابة، وتخنق رائحة البلاستيك المحترق أنفاس السكان. لا يمكن للمرء أن يفتح نافذته دون أن يتسلل الدخان إلى رئتيه. ولهذا لا غرابة أن ترى طوابير المرضى مصطفة أمام عيادات أطباء الصدر، وأن يصبح الربو ضيفًا دائمًا في كل بيت. لكن الأغرب حين أجد من يُطلب من إنسان بالكاد يجد ماءً ليستحم، أن يُشعره إعلان عن ضرر استخدام شامبو يحتوي على السيليكون بالذنب؟
تتضح مأساة الوعي الأخلاقي أنه أصبح عبئًا جديدًا يُضاف إلى أعبائنا بدلًا من أن يكون قوة تحرير. لكن ما يجعل الأمر مُنهكًا أننا لا نملك ما يكفي من الوسائل لنعيش وفقًا لما نعرف. وبين ما نعرفه عن الضرر وما نستطيع فعله تجاهه، تقع هوة قاسية تلتهم ثقتنا، وتهدم فكرة الإنسان المسؤول.
كتب بول فاليري مرةً بما معناه أن الوعي حمّى بطيئة، لا تعني بالضرورة أننا أحياء أكثر، لكنها تُرغمنا على الشعور بثقل الحياة. وهذه الحمّى في هذا الزمن تحديدًا، تتغذى من كل مصدر من وسائل التواصل، من الأخبار، من توجيهات الصحة النفسية، من دعوات الاستدامة، من نصائح الأمومة الصحيحة، ومن ترسانة من الأخلاقيات الجديدة التي ترسم خطوطًا حمراء في كل تفصيلة من تفاصيل الحياة اليومية. لكن ما لا يُقال غالبًا ليس كل من يحمل هذا الوعي قادرًا على تحمل نتائجه.
ثقل الوعي يُقاس بمكانه. أن يظهر لك إعلان توعوي لعدم تبذير الماء، وأنت تعيش في مدينة كتعز تتوقف فيها المياه عن الضخّ لأسابيع، فذلك لا يجعلك أكثر حكمة، هو يجعلك أكثر عجزًا. أن تعرف أن الغذاء العضوي الخالي من السماد الكيميائي ضروري لجسد الإنسان، في حين تحاصرك الحرب وتفرض عليك الجوع، كما يحدث في غزة. يتحول هذا النوع من الوعي الأخلاقي إلى أداة تآكل داخلي، خاصة حين يقترن بثقافة تُحيل كل أمر إلى مسؤوليتك الفردية وحدك.
هل نتخلى عن الوعي إذًا؟ بالطبع لا. لكن من الضروري أن نُخضع هذا الوعي نفسه للنقد. رأت الفلسفة أن الخطاب الأخلاقي الذي يُقدَّم بوصفه خطابًا عامًا أو كونيًا، لا يخلو من خصوصية طبقية. فهو يفترض مقدرة المتلقي على الامتثال له، وهي مقدرة لا تتوزع بشكل عادل بين الأفراد، لأنها ترتبط برأس مال ثقافي واجتماعي لا تملكه إلا فئات معينة. يُفرض هذا الخطاب خارج سياقه على فئات تعاني أصلًا من هشاشة البنية وانعدام الموارد، وتهميش طويل. لهذا فإنه قد يثير السخرية، أو اللامبالاة، أو حتى الرفض. عندئذٍ يمارس عنفًا رمزيًا مضاعفًا لأنه يحمل المهمَّش عبء عدم الامتثال دون أن يمنحه أدوات الامتثال.
وأظن أننا نعيش اليوم في زمن الوعي المتضخم كوننا لا نستطيع التوقف عن تلقي المعرفة. كل يوم نعرف أكثر ونفعل أقل. كل صباح نُبلغ ونُعاتب ونُذكّر بمسؤولياتنا تجاه الكوكب الذي يعاني من الاحتباس الحراري وثقب الأوزون"وأظن أن الحديث عن هذا أصبح أقل شيوعا"، بينما نعجز عن تدبير أبسط ضرورياتنا اليومية. هكذا بدل أن يتحول الوعي إلى طاقة دفع، يصير عبئًا إضافيًا. إنسان اليوم يشعر بثقل العالم الخارجي، بثقل معاييره التي تستقر داخله.
لهذا فهو يحتاج أن يعاد بناء الوعي انطلاقًا من واقعه. أن يكون وعيًا مرنًا، أن يكون أداة تفكير في البدائل. حتى يحمل هذه الشمس الواعية فوقه بخفة .
•الأدب وقشور البطاطا 📚
The Guernsey Literary And Potato
هذا الأسبوع قرأت رواية “جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا”. كنت قد شاهدت الفيلم المأخوذ عنها في وقت سابق، ونادرًا ما أجد الجمع بين النص البصري والمكتوب تجربة منصفة، لأن أحدهما عادة ما يطغى على الآخر، إما بتكثيف المشاعر أو بتقليص الفكرة. لكن في هذه الحالة بدا التوازي مقبولًا، لأن الرواية تملك طاقة مختلفة هي طاقة الكتابة نفسها.
يبدأ الفيلم المقتبس عن الرواية بمشهد عودة مجموعة من السكان بعد حضورهم عشاءً سرياً، لتصطدم خطواتهم بجنود الاحتلال الألماني، وقد خرقوا حظر التجول المفروض على الجزيرة. هذا المشهد الذي يبدو عرضيًا هو لحظة التأسيس الفعلية لـ”جمعية غيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطا” التي أنشئت كحيلة لتبرير هذا التجمع، ثم تحولت إلى نادٍ أدبي حقيقي. أما الرواية فتقوم في بنائها على تبادل الرسائل بين كاتبة من لندن وسكان الجزيرة أنفسهم. وهذا الشكل هو جزء من بنية الرواية الفلسفية؛ إذ تصبح الكلمة المكتوبة الرابط الوحيد الممكن بين أفراد عانوا من الانفصال الحاد عن العالم ومن الخوف الدائم من الانهيار. وفي سياق الحرب لا يبقى من الثقافة سوى ما يمكن اختزاله في رسالة، أو في نادٍ أدبي طارئ، ينشأ صدفة ويتحول إلى وسيلة ضرورية للبقاء.
وسط هذه المراسلات، يرد ذكر الكاتب البريطاني تشارلز لامب، وهو مفتاح لمستوى خفي من الرواية. لامب الذي عاش حياة أدبية هادئة ظاهريًا، كان قد كرس وجوده كله لرعاية أخته ماري التي قتلت والدتهما في نوبة عقلية حادة. ليربط مصيره بها، وشاركها الكتابة في ما أصبح لاحقًا أحد الكتب الكلاسيكية عن شكسبير. يقدم العمل من خلال سرده الغير مباشر، فكرة أن الأدب ينقذ الأفراد بصفته شكلًا من أشكال الدفاع عن الذات. القراءة والكتابة كانتا أداة مقاومة ضد العزلة، وضد العطب النفسي الذي قد يولده واقع سياسي لا يمكن احتماله. كما أن الشخصيات التي تنجو، تفعل ذلك بالاحتفاظ بحد أدنى من القدرة على إعادة صياغة ما حدث. وهنا تتقاطع سيرة لامب الذي عالج هشاشته بالكتابة، مع شخصيات الرواية التي وجدت في الكتب شكلاً آخر من الانتماء.
ما يكشفه العمل من خلال بنيته الرسالية، ومن خلال استدعاء أسماء كُتاب مروا بظروف وجودية قاسية، هو أن الأدب تعبيرًا عن صراع البقاء وسط انكسارات لا يمكن فهمها إلا بعد أن تصبح مادة قابلة للسرد. وهو ما يجعل السؤال عن “فائدة الأدب” سؤالًا باردًا، إذ إن قيمته تقاس بقدرته على منح الإنسان شكلًا لكرامته حين تنهار الأشكال الأخرى.
الذكريات المعلبة🤳📻📼 عبير اليوسفي ٢٠ أغسطس ٢٠٢٥ كل مرة أفتح هاتفي أجد السنوات الماضية مصطفة أمامي في ذكريات هذا اليوم، وفي كل مرة أعود لتقليب الذكريات أشعر أن شيئًا ما تغير في معنى الحنين. كأن الحنين نفسه الذي كان يتشكل من فجوة بيننا وبين الزمن صار خدمة جاهزة تُعرض عليك بتقنية محسوبة، وتذكرك بما مضى كما لو كان إعلانًا سريعًا. الذاكرة الرقمية وفرت لنا القدرة على استرجاع الماضي فورًا، لكنها في المقابل نزعت عن الحنين خصوصيته. ليصبح الاسترجاع بلا جهد، وبالتالي بلا ذلك العمق الذي يجعل من...
وحنينه دومًا لأول منزلٍ🏠 🥺 Joan Brull. Dream 1905 عبير اليوسفي ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ منذ فترة صار يرافقني الاستماع لبودكاست عشوائي من يوتيوب كلما خرجتُ من المنزل حتى أصل إلى وجهتي. طريقة فعالة لمقاومة الحرارة، والزحام، وكل ما يجعل من الشارع مساحة طاردة للهدوء. مؤخرًا استمعتُ إلى حلقة تناولت تصور غاستون باشلار للبيت، كما ورد في كتابه "جماليات المكان". و بدا لي أن البيت ليس مجرد أربعة جدران وسقف، هو معمار داخلي يتشكل في وعينا، ويصير مرجعًا دائمًا في كل علاقة جديدة نخوضها مع أي مكان. يُعد البيت في الأدب...
القلق من التنين 🐉😱 عبير اليوسفي ٦ أغسطس ٢٠٢٥ قد يبدو العنوان ظريفًا، لكن الحكاية هي أنني مشتركة في مجموعة قراءة على تطبيق التلغرام. ليس حبًا للنقاشات الطويلة ولا شغفًا بالقراءة الجماعية، هو السبب ذاته الذي نشترك جميعنا به، مصدر جيد لتحميل الكتب، ادخل بخفة لتحميل كتاب وأغادر. لكن قبل أيام وقعت عيناي على نقاش قديم في المجموعة، أو بالأحرى محاكمة علنية أجلست فيها إحدى المشتركات أدب الفنتازيا على كرسي الإتهام. اتهمت القارئة الرواية بأنها تروّج للإلحاد، وتتعارض مع العقيدة الإسلامية، واعتبرتها خطرًا...